المهاجر المغربي بين الغربة والتناقضات.. واقع الانتماء الممزق

عمر الرزيني-مكتب برشلونة

يعيش المهاجر المغربي اليوم وضعًا معقدًا يتسم بالكثير من التناقضات النفسية والاجتماعية، فهو ممزق بين وطنين، لا يشعر بالانتماء الكامل لأي منهما. ففي بلدان المهجر، ورغم الاستقرار النسبي، يواجه الحنين إلى الوطن، الوحدة و الغربة ونظرات التمييز والعنصرية أحيانًا، مما يجعل الكثير منهم يعيشون حالة مستمرة من الضياع .

غير أن العودة إلى المغرب، التي من المفترض أن تكون لحظة دفء واستعادة للانتماء، تتحول في كثير من الأحيان إلى صدمة واقعية. فالبلد الذي تركوه منذ سنوات لم يعد كما كان، أو ربما هم من تغيروا. يواجهون الغلاء الفاحش، وطمع البعض، والمعاملة المصلحية التي تختزلهم فقط في العملة الصعبة التي يجلبونها معهم صيفًا. فيشعر الكثير منهم أنهم غرباء حتى في وطنهم الأم، تُستقبل سياراتهم في الميناء بالأهازيج، ثم يُرمى بهم في سوق الاستغلال المادي والاجتماعي.

وتؤثر هذه الفجوة على الروابط الاجتماعية والعائلية، إذ يجد بعض المهاجرين أنفسهم محاصرين بالأحكام الجاهزة والانتقادات: يُتّهمون بالتكبر إن حافظوا على نمط حياتهم في المهجر، ويُعتبرون “ناقمين” على البلاد إن انتقدوا الأوضاع أو عبروا عن امتعاضهم من البيروقراطية أو الخدمات المتردية. والنتيجة أن المهاجر يشعر أنه لا ينتمي كليًا لا إلى هنا ولا إلى هناك، وكأنه عالق في منطقة وسطى، لا تستوعبها لا سياسات الوطن ولا احتواء المهجر.

تتحمل الدولة جزءًا من المسؤولية في هذا التباعد المتزايد. فرغم الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن أهمية الجالية في تنمية البلاد، تبقى السياسات الموجهة إليهم موسمية، سطحية، وغير كافية لخلق جسور دائمة تربط المهاجر بوطنه. تغيب آليات حقيقية للاستماع إلى همومهم، ولإشراكهم في القرارات المصيرية، ولحمايتهم قانونيًا واجتماعيًا سواء داخل المغرب أو خارجه.

المفارقة الكبرى أن الجالية المغربية، التي تعد من أنشط الجاليات اقتصاديًا واجتماعيًا في أوروبا، لا تزال تعاني من نظرة دونية أحيانًا داخل مجتمعها الأصلي، وكأنها مجرد محفظة نقود متنقلة، لا يحق لها الحديث أو المطالبة أو التقييم، بينما المطلوب منها فقط أن ترسل الأموال، وتشتري العقارات، وتنعش الاستهلاك خلال فصل الصيف.

إن واقع المهاجر المغربي اليوم لم يعد مجرد قصة اغتراب طوعي من أجل لقمة العيش، بل أصبح سؤال هوية وانتماء عميق، تتداخل فيه مشاعر الفخر بالنجاح في الخارج، بالمرارة من الجفاء في الداخل، ويحتاج إلى معالجة هادئة، إنسانية، وعادلة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى