مغتربون مغاربة بإيطاليا يشتكون ارتفاع أسعار تذاكر السفر

عبد اللطيف الباز – هبة بريس

مع قدوم فصل الصيف، يبدأ الحنين إلى الوطن بالاستيقاظ في قلوب أفراد الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا، ويشتد الشوق إلى العائلة، كما تلوح في الأفق لحظات اللمة والروائح الدافئة التي لا تغادر الخيال، لكنّ هذا الحنين يصطدم كل عام بعقبة كبيرة، تكاد تُفقد العودة معناها، وهي غلاء أسعار تذاكر السفر سواء عبر البواخر أو الطائرات، حيث تتحول الرغبة البسيطة في زيارة الأهل إلى عبء ثقيل يتجاوز قدرة كثير من الأسر، خصوصًا تلك التي تعيش بدخل محدود وتعتمد على أعمال موسمية أو وظائف بسيطة، ومع ارتفاع الطلب على وسائل النقل نحو المغرب، ترتفع الأسعار بشكل ملحوظ، لتتكرر الشكوى نفسها التي أصبحت جزءًا من طقوس العبور، لكنها هذه المرة لا تحمل الفرح، بل تفتح جراحًا معلقة.

منذ سنوات، وعد عبد السلام زوجته وأطفاله الصغار بأنه سيأخذهم معه لقضاء العطلة الصيفية في المغرب، هم يعيشون في مدينة بريشّا شمال إيطاليا، حيث يعمل في مصنع لإنتاج البلاستيك، ويتقاضى راتبًا متواضعًا بالكاد يغطي مصاريف السكن والمعيشة، ادّخر هذا العام جزءًا من ماله بعناية، متجنبًا بعض الكماليات، مقللًا من خروجه مع الأصدقاء، حتى بدا له الحلم قريبًا، لكنه حين بدأ إجراءات الحجز، وجد أن تكلفة التذاكر لهم كعائلة من خمسة أفراد قد تتجاوز الثلاثة آلاف وخمسمائة يورو، فجلس طويلاً أمام الشاشة، لا يُصدق أن ما جمعه طيلة أشهر لن يكفي حتى للعبور، حاول تغيير التواريخ، تبديل المطارات، مقارنة العروض، لكنه في كل مرة يعود إلى النتيجة نفسها، الحلم لا يزال بعيدًا، والوطن أقرب من القلب، وأبعد من الجيب.

وفي مكان آخر، بالقرب من بولونيا، كانت فدوى، الشابة المغربية التي تعمل كمساعدة في دار للمسنين، تتحضّر للعودة إلى الدار البيضاء بعد عامين من الغياب، كانت متحمسة للقاء والدها المريض، لكنها حين دخلت موقع الحجز، وجدت أن سعر التذكرة الواحدة بلغ تسعمائة يورو، أي ما يعادل تقريبًا راتبها الشهري، فشعرت بصدمة لم تقدر أن تخفيها، جلست في صمت طويل، تتخيل وجوه إخوتها، وتحاول أن توازن بين قلبها وحسابها البنكي، بين أولوية العودة، والحاجة للبقاء، وانتهى بها الأمر تؤجل السفر مرة أخرى، وهي تردد في سرّها أن الوطن أصبح غاليًا حتى على أبنائه.

هذه القصص ليست فردية ولا استثنائية، بل تعكس واقعًا عامًا يتكرر مع كل موسم عبور، حيث يصبح الغلاء سمة دائمة ترتبط برغبة الجالية في زيارة وطنها الأم، وقد عبّرت فاطمة خلوق، رئيسة المنتدى المغربي الإيطالي للعلاقات الثنائية، عن هذا الوضع بوضوح، معتبرة أن الارتفاع الموسمي لأسعار التذاكر يشكل عبئًا ثقيلاً على الأسر المغربية المقيمة في إيطاليا، خاصة الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل، وأكدت أن الأمر يتسبب في إحباط واسع داخل الجالية، مطالبة بضرورة تدخل الجهات المعنية لإيجاد حلول عملية، سواء من خلال دعم مباشر أو تنظيم عروض موسمية مناسبة، أو التنسيق مع شركات الطيران والعبارات لفتح خطوط بأسعار اجتماعية، حتى يتمكن الجميع من ممارسة حقهم الطبيعي في زيارة الوطن.

إن غلاء تذاكر النقل، سواء الجوي أو البحري، لا يمس فقط الجوانب الاقتصادية للأسر المغربية المقيمة بالخارج، بل يمتد إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، إذ يتحوّل إلى مناسبة حزينة، ويصبح اللقاء حلمًا مؤجلاً، ويترسخ في وجدان الأجيال الجديدة من أبناء الجالية شعور بالانفصال عن الجذور، وهو ما يجب أن يشكل مصدر قلق حقيقي للجهات الرسمية، لأن بناء الجسور بين المغاربة في الخارج ووطنهم لا يتم فقط من خلال الخطاب العاطفي، بل من خلال إجراءات واقعية تُسهم في تسهيل العودة، وخفض الكلفة، وتمكين الجميع من صلة الرحم دون أن تتحول إلى مخاطرة مالية.

وإذا كانت أرقام تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج تحظى بتقدير سنوي رسمي، فإن من باب أولى أن يُقابل هذا الوفاء بما يليق، ليس كمنّة، بل كحق، فالوطن لا يجب أن يكون مكافأة لمن يملك، بل بيتًا مفتوحًا لمن يشتاق، وكل صيف يمضي دون لقاء، هو جرح في ذاكرة لا تنسى.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى