قراءة في أهم مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية( ح 1)

محمد منفلوطي_ هبة بريس

من أجل إغناء النقاش الدائر حول أهم المستجدات التي طالت مشروع قانون المسطرة المدنية 02.23، وأهم التعديلات المدخلة عليه من طرف مجلس المستشارين في الصيغة المصادق عليها بالجلسة التشريعية العامة، من أجل ذلك، استضافت “هبة بريس” الأستاذ المستشار البرلماني ونائب رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين، ” المصطفى الدحماني”، لاغناء هذا النقاش القانوني وبسط قراءاته في الموضوع من باب ممارسته المهنية كمحامي بهيئة سطات.

وفي هذا الصدد، استند الأستاذ “المصطفى الدحماني”، في قراءته لهذا الموضوع، على الخطب والتوجيهات الملكية السامية، الرامية إلى تأسيس مفهوم جديد لإصلاح منظومة العدالة إصلاحا شاملا وعميقا، يقوم على أساس تبسيط الإجراءات والمساطر، ورفع تعقيداتها، وتيسير الولوج للمعلومة القضائية، والاستفادة من المساعدة القانونية والقضائية، وتوفير عدالة قريبة وفعالة للمتقاضي، مع الرفع من أداء منظومة العدالة، أمر جلالة الملك بالعمل على: الرفع من النجاعة القضائية للتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطء في العدالة، وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر والرفع من جودة الأحكام والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام.

وفي هذا الإطار يقول الأستاذ الدحماني، إن قانون المسطرة المدنية، باعتباره قانونا إجرائيا، يشكل أهم القوانين المسطرية التي تعززت بها المنظومة التشريعية الوطنية الناظمة لحماية الحقوق كضمانة قانونية تنضاف إلى الضمانات الدستورية والقضائية ذات الصلة، وذلك بالنظر إلى المستجدات التي يحملها هذا القانون على مستويات متعددة، ولاسيما ما يرتبط منها بالعدالة الإجرائية التي تسهم، بصورة فعلية ومباشرة، في تحسين جودة الخدمات القضائية، وضمان شروط المحاكمة العادلة.
كما يشكل قانون المسطرة المدنية هذا تنزيلا تشريعيا ملائما مع المستجدات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية التي عرفتها بلادنا خلال السنوات الأخيرة، والتي استدعت سن قانون جديد متكامل ومندمج، ينسخ قانون المسطرة المدنية المطبق حاليا، ويسد الفراغات التي أفرزها الواقع، ومنها الدور السلبي للقاضي المدني في الإشراف على إجراءات التقاضي، ويعالج الاختلالات التي أبانت عنها الممارسة القضائية من تعقيد للإجراءات، وبطء في المساطر، سواء على مستوى تبليغ أو تنفيذ الإجراءات أو المقررات القضائية، ويواكب التطور التشريعي الإجرائي الدولي، والتوجهات التي تضمنتها قواعد الاتفاقيات الدولية، والتحولات المستجدة التي يعرفها العالم على كافة الأصعدة والمستويات.

وأضاف الأستاذ الدحماني، أن هذا القانون يعتمد، من جهة أولى، على تجميع شتات المساطر المدنية والإدارية والتجارية، وتلك المتعلقة بقضاء القرب، بالاستناد إلى مبدأي وحدة القضاء والتخصص فيه، والضبط القانوني غير المسبوق للمقتضيات المتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي، بالإضافة إلى اعتماده على وسائل التكنولوجيا الحديثة في إجراءات التقاضي من أجل الاستفادة من منافع التحول الرقمي، كما يراعي، من جهة ثانية، المستجد التشريعي الذي عرفه قانون المسطرة المدنية الساري النفاذ، بإخراج المقتضيات الناظمة للتحكيم والوساطة الاتفاقية بخصوص الفصول من 306 إلى 70-327، وهي المقتضيات التي صدر بشأنها القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.

كما أشار الأستاذ الدحماني إلى أن هذا القانون، يعد خطوة تشريعية مهمة لملائمة المسطرة المدنية المغربية مع توجهات المرجعية الدولية المتمثلة في نتائج وتوصيات التقارير الدورية التي تصدر عن الهيئات والمنظمات واللجان الدولية المتخصصة في تقييم الأنظمة القضائية عبر العالم، كما يعد تنزيلا للأحكام الدستورية التي تنظم حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، وتضبط الحق في التقاضي، وتحمي حقوق الدفاع، وترسخ الحق في إصدار أحكام في آجال معقولة، وفي تعليل الأحكام، مع التأكيد على الصبغة الإلزامية للأحكام النهائية في مواجهة الجميع.

وقال الأستاذ الدحماني إنه سيتطرق من خلال هذه الورقة لثلاث نقط أساسية تتعلق بأهمية مشروع قانون المسطرة المدنية والسياق العام لأعداه وأهم المستتجدات التي جاء بها (النقطة الأولى) مع إبراز مسار إعداد ودراسة مشروع القانون وأهم التعديلات المدخلة عليه بمجلس المستشارين (النقطة الثانية) بالإضافة إلى ورقة توضيحية بشأن الاستئنافين الفرعي والمثار (النقطة الثالثة).

أولا: مشروع قانون المسطرة المدنية: السياق العام والأهمية والمضامين.

يعد قانون المسطرة المدنية حجر الزاوية في ضمان العدالة بين أطراف الدعوى المدنية وسندا لتحقيق العدالة بين المتعاملين وضمان حقوقهم. ويعبر مشروع القانون عن توجه إرادي نحو إحداث إطار قانوني متكامل ومندمج يواكب التطور التشريعي والإجرائي الذي تعرفه البلدان الديمقراطية، بما يضمن الولوج الفعال للعدالة والنجاعة القضائية والالتزام بالآجال المعقولة تفعيلا لما نص عليه الدستور من ضمانات قضائية وخاصة الفصلان 118 و120.
كما يستجيب هذا المشروع للتصور الإصلاحي الاستشرافي الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطاب 20 غشت 2009 والذي حدد غايات إصلاح الإجراءات القضائية في:
“الرفع من النجاعة القضائية للتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطيء في العدالة، وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام.”
ويمثل هذا التوجيه الملكي التشخيص والغايات والسبل، فعلى مستوى التشخيص سجل مظاهر الاختلال التي تتمثل في هشاشة وضعية المتقاضيين وتعقيد المساطر وبطء الإجراءات، وعلى مستوى الغايات يروم الإصلاح رفع النجاعة القضائية بما تشمله من زيادة جودة المخرجات وتقليص تكلفة الإنجاز، وعلى مستوى السبل يحدد الخطاب الملكي الإصلاحات الضرورية في تبسيط المساطر القضائية؛ والشفافية في القضاء؛ وجودة الأحكام والخدمات القضائية؛ وسهولة الولوج إلى المحاكم؛ وتسريع معالجة الملفات؛ وتنفيذ الأحكام.
وبالنظر إلى أن المسطرة المدنية تشمل القواعد المسطرية والإجراءات القضائية المتبعة في مساطر تدبير المنازعات بين الأطراف المدنية أمام المحاكم دفاعا عن الحقوق الخاصة بأشخاص الدعوى المدنية، وهي مساطر جد مؤثرة في كل ما يتعلق بالاستثمار والمعاملات التجارية، كما تؤثر في النزاعات المتعلقة بقضايا الأسرة وغيرها من المنازعات التي لا تؤطرها نصوص إجرائية خاصة، فبالنظر لكل ذلك، فقد شكلت مراجعة هذا القانون فرصة لتقديم حلول قانونية للإشكالات المرتبطة بالدعوى المدنية في المحاكم المغربية، وحلقة أساسية في مسلسل إصلاح منظومة العدالة الذي انطلق بعد دستور 2011، بما يحقق الانسجام مع الاختيارات الحقوقية الذي وضعها الدستور والتلاؤم مع التطور الذي شهدته المعاملات والاسترشاد بما وصلت إليه الممارسة في البلدان المتقدمة خاصة وأن القانون المطبق حاليا قد مر على إصداره زهاء 50 سنة، أفرز خلالها التطبيق العملي لمقتضياته إشكالات متعددة تحتاج إلى معالجة.
فنحن أمام تراكم تاريخي في العمل التشريعي والممارسة القضائية يمتد لأزيد من نصف قرن حيث صدر قانون المسطرة المدنية بموجب ظهير 1974 في مرحلة انتقالية أعقبت دستور 1972 وامتدت إلى غاية تنصيب مجلس النواب لسنة 1977، ولقد بلغ عدد القوانين التي أدخلت تغييرات على هذا القانون 25 قانونا.
فيما يتعلق بمضمون مشروع القانون، فقد جاء بالعديد من المستجدات التي ترقى بمنظومتنا التشريعية وتساهم في نجاعتها وضمان فعلية الضمانات والحقوق الدستورية للمتقاضين، ونخص بالذكر:
* الإقرار الصريح بسمو الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية والمتعلقة بالإجراءات المسطرية على هذا القانون.
* التوضيح الدقيق للاختصاص الدولي للمحاكم المغربية في المسائل المدنية المتعلقة بالمغاربة غير المقيمين بالمغرب وبالأجانب المقيمين بالمغرب أو خارجه.
* نسخ العديد من القوانين وتجميعها مقتضياتها في نص مسطري واحد قانون 42.10 المتعلق بقضاء القرب، قانون 53.95 المتعلق بالمحاكم التجارية، قانون 41.90 المتعلق بالمحاكم الإدارية، قانون 83.03 المتعلق بمحاكم الاستئناف الإدارية.
* المسؤولية الإيجابية للقاضي في المسطرة المدنية، وخاصة دوره في تصحيح المسطرة وانذار الأطراف لذلك وخاصة في الأمور المتعلقة بالصفة والمصلحة والأهلية والإذن بالتقاضي وشكليات المقال الافتتاحي والاستئنافي وعرائض النقض.
* تدقيق دور النيابة العامة وحقوقها في القضايا المدنية، ومسؤوليتها في حماية النظام العام، وحقوقها في الطعن.
* تأطير التحول الرقمي للإجراءات القضائية المتعلقة بالمسطرة المدنية، وخاصة ما يتعلق بالتبادل الالي للإجراءات، والتقاضي عن بعد، والحسابات المهنية، والتبليغ الاليكتروني.
* التدقيق التشريعي لمساطر التنفيذ وتبسيطها وإزالة الصعوبات المادية التي تعترضه، وتعزيز مكانة قاضي التنفيذ.
* إصلاحات تشريعية على مستوى الزمن القضائي لتدقيق الآجال وتقليصها واختصار الزمن القضائي، واعتماد البت على وجه السرعة والبت الفوري والبت داخل الأجل المعلوم، (التبليغ في عنوان البطاقة الوطنية دون الحاجة إلى إشعار بالتوصل، السحب المباشر للاستدعاءات من كتابة الضبط، الغاء مسطرة التبليغ بواسطة القيم، تصحيح الأخطاء من طرف المحكمة دون الحاجة إلى دعوى مستقلة..)
*نظام لتصفية الطعون وترشيدها وعقلنتها.
* إعادة تنظيم حق التصدي أمام محكمة الاستئناف ووجوب تصديها للدعوى في الجوهر إذا أبطلت الحكم المستأنف أو ألغته.
* التشجيع على التحكيم والوساطة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى