البوليساريو وإيران.. تحالف ظل “الشر” الذي يهدد شمال إفريقيا

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في الوقت الذي يعيد فيه العالم رسم خريطته الجيوسياسية على ضوء أزمات متعددة، تبرز تحالفات “ظل الشر” التي لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية.

كتاب “البوليساريو وإيران: أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف” يسلّط الضوء على أحد أخطر هذه التحالفات الناشئة، والتي تُعيد توجيه بوصلة الخطر في شمال إفريقيا من مجرد نزاع إقليمي إلى جبهة متقدمة في حرب النفوذ الإيراني.

تحول استراتيجي في العقيدة الإيرانية

منذ سنوات، لم تُخفِ طهران طموحها في تصدير نموذجها الثوري خارج حدودها، لكن الجديد اليوم هو انتقال هذا الطموح إلى الجوار المغاربي، عبر دعم حركات انفصالية مسلحة مثل جبهة البوليساريو. ووفق الكتاب، فإن إيران -عبر ذراعها العسكري حزب الله- لا تكتفي بتمويل وتسليح الجبهة، بل تشرف على تدريب عناصرها في مخيمات تندوف وتحويلها إلى معسكرات مؤدلجة.

هذا التوجه يُعبّر عن تحول نوعي في العقيدة الأمنية الإيرانية، حيث أصبحت طهران تعتبر العمق الإفريقي امتدادًا لنفوذها، مستفيدة من هشاشة بعض الأنظمة وضعف الرقابة الحدودية في منطقة الساحل والصحراء، وكانت في وقت سابق ان تربصت بموريتانيا ومحاولاتها تمديد الفكر ” الشيعي” ببلدان ” السنة ” وهو ما تنبهت قوى فكرية بموريتانيا والسينغال ومالي ، فالخطر الإيراني دائما قائم بهذه الدول .

البوليساريو وإيران.. تحالف ظل “الشر” الذي يهدد شمال إفريقيا

– تندوف.. قاعدة خلفية لحرب بالوكالة؟

الكتاب يُوثق بدقة كيف تحولت تندوف، الواقعة على التراب الجزائري، إلى قاعدة خلفية لحرب بالوكالة تُخاض ضد المغرب، ولكن أبعادها الجيوسياسية تتجاوز الحدود، فالتعاون الموثق بين البوليساريو وحزب الله، مدعومًا من الحرس الثوري الإيراني، يُنذر بتحول المنطقة إلى ساحة صراع بين محاور النفوذ: محور إيراني-جزائري، في مواجهة محور مغربي-خليجي مدعوم غربيًا.

– سلاح الطائرات المسيّرة: التطور النوعي في التهديد

من أبرز ما يكشفه الكتاب هو إدخال إيران لتقنيات الطائرات بدون طيار إلى جبهة البوليساريو، وهو تطور نوعي وخطير في قدرات الجبهة العسكرية.

فهذا النوع من الأسلحة، الذي غيّر معادلات الحرب في أوكرانيا واليمن، بات اليوم في يد جماعة انفصالية تتلقى تدريبًا وتمويلًا من قوة إقليمية مهددة للأمن الدولي.

– رهانات المغرب وارتباك الحسابات الإقليمية

أمام هذا الواقع، يجد المغرب نفسه في مواجهة جبهة تتقاطع فيها المصالح الجيوسياسية مع المشاريع الإيديولوجية، فالصراع لم يعد محصورًا في ملف الصحراء، بل أصبح جزءًا من مشهد إقليمي أوسع تُسهم فيه إيران، وبتواطؤ جزائري غير خفي، في إعادة تشكيل ميزان القوى، وربما إعادة صياغة مفهوم “الحدود الآمنة” في شمال إفريقيا.

ومع تصاعد المؤشرات على دعم دولي متزايد لموقف الرباط، بما في ذلك من واشنطن وباريس، إلا أن التحديات الأمنية الجديدة تتطلب مقاربات متعددة الأبعاد، دبلوماسية، استخباراتية، وتنموية، تعيد التوازن إلى منطقة تواجه خطر التحول إلى مسرح مفتوح لحرب باردة إقليمية.

كتاب “البوليساريو وإيران” ليس مجرد عمل تحقيقي، بل إنذار سياسي يفرض مراجعة جذرية لفهمنا للصراع في الصحراء. فحين تصبح الطائرات المسيّرة والتدريب العقائدي أدوات في يد ميليشيا انفصالية، فإن الأمر لم يعد صراعًا محليًا، بل إعادة إنتاج لنموذج الحروب غير المتكافئة بواجهة محلية وأصابع إقليمية.

إن ما يحدث في تندوف لم يعد مسألة مغربية فحسب، بل قضية أمن دولي وإقليمي تتطلب وقفة جدية من كل القوى المؤمنة باستقرار شمال إفريقيا.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى