
الإعلام الإسباني يروّج لحل غير موجود لقضية رخص السياقة المغربية
سعيد الحارثي – مدريد
خرجت وسائل إعلام إسبانية على رأسها RTVE بتقارير تبشّر الجالية المغربية بقرار “تاريخي” من حكومة بيدرو سانشيز، يقضي برقمنة عملية استبدال رخص السياقة الأجنبية، دون الحاجة إلى زيارة مقر المديرية العامة للسير (DGT).
وقدّمت هذه الخطوة على أنها تيسير استثنائي لفائدة المغاربة، وكأن الحكومة الإسبانية قد منحتهم امتيازًا غير مسبوق، بل وأفضل مما هو متاح حتى للمواطن الإسباني.
ما تُغفله التقارير الإعلامية الإسبانية – أو تتجاهله عن قصد – هو أن الإجراء الجديد لا يعالج المشكلة الأساسية التي أثارتها الجالية المغربية في إسبانيا، والتي دفعتها إلى رفع رسالة رسمية إلى جلالة الملك محمد السادس عبر مؤسسة الوسيط.
المطلب كان واضحًا وصريحًا: تمكين المغاربة الذين حصلوا على رخصة سياقة مغربية بعد حصولهم على أوراق الإقامة في إسبانيا من معادلتها مباشرة، على غرار ما يتم مع حاملي الرخص من دول أخرى، دون الحاجة إلى إعادة اجتياز اختبارات القيادة النظرية والعملية الإسبانية.
أما ما أُعلن عنه مؤخرًا، فهو رقمنة مسار استبدال الرخص المنتهية الصلاحية أو تلك التي حصل عليها المهاجرون قبل الإقامة فقط. وبذلك، فالفئة المعنية بالأصل لم تستفد من هذا “الحل”، بل تم تجاهلها تمامًا.
ويبدو أن الحكومة الإسبانية – أو بعض وسائل إعلامها – لم تفهم جوهر المشكلة، إذ ركزت على تسهيل إجراء شكلي يخص فئة محدودة من المغاربة، في حين أن جوهر الاحتجاج والطلب كان متعلقًا بتمييز قانوني واضح ضد فئة أخرى، لم تُعالج أوضاعها ضمن القرار الحالي.
ووفق ما ورد في الصحافة الإسبانية نفسها، فإن جلالة الملك محمد السادس تدخل شخصيًا وطالب الحكومة الإسبانية بإيجاد حل عادل ومنصف لهذا الملف.
وكانت الجالية المغربية تأمل – بل تطالب – بأن يكون الرد عمليًا يشمل استثناءً قانونيًا أو تنظيميًا لهذه الفئة المتضررة.
غير أن الرد جاء في شكل إجراء إداري رقمي لا يخدم القضية الأساسية، ويبدو أنه محاولة لتقديم “إنجاز إعلامي” أكثر من كونه حلاً واقعيًا. بل إن هذه الخطوة تُنظر إليها من طرف الجالية المتضررة على أنها مراوغة إدارية وتعتيم على أصل المشكل، وربما محاولة لذر الرماد في العيون وتمييع المطلب الحقيقي.
هنا تطرح الجالية سؤالًا مشروعًا: من المسؤول عن هذا “التحايل السياسي”؟
هل الحكومة الإسبانية فهمت المطلب بشكل خاطئ – وهذا لم يعد مقنعًا بعد كل ما نُشر – أم أنها اختارت أن تُظهر نفسها في صورة المُنقِذ بينما تتجاهل جوهر المطلب؟
أم أن هناك سوء تواصل أو ضغط من أطراف داخلية لم ترغب في تغيير النظام القائم، والذي يُعد تمييزيًا في حق فئة معينة من المغاربة؟
بين الخطاب الرسمي المزيّن والمنصة الرقمية الجديدة، يضيع مطلب بسيط وعادل: المساواة أمام القانون في استبدال رخصة السياقة، وعدم معاقبة مهاجر فقط لأنه حصل على رخصة قيادة مغربية بعد حصوله على الإقامة الإسبانية.
القضية لم تُحلّ بعد. والجالية المغربية تعي جيدًا الفارق بين التجاوب الإعلامي والتجاوب الفعلي. وما زال الأمل معلّقًا على صوت العقل والعدالة – سواء في مدريد أو الرباط – لتصحيح هذا المسار المختل، وإنصاف فئة ظُلمت مرتين: مرة في وطن المهجر، ومرة في صدى التجاهل.
ولأن الحلول الحقيقية لا تأتي من مكاتب مغلقة أو قرارات فوقية، فإن على المسؤولين المغاربة أن يجلسوا مع المتضررين أنفسهم ويستمعوا إليهم مباشرة، فهم وحدهم القادرون على شرح تفاصيل معاناتهم، وتحديد مكامن الخلل بدقة. لا أحد أدرى من صاحب الألم بأين يُوجعه.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X