
إصلاح التقاعد بالمغرب.. وعود بمسارات جديدة أم إعادة تدوير الأزمات القديمة؟
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
في خطوة تُعد امتدادًا لجولات الحوار الاجتماعي الجارية، ترأس رئيس الحكومة اجتماعًا مهمًا للجنة الوطنية لمتابعة ملف التقاعد، وذلك يوم 17 يوليوز 2025 بالرباط. اللقاء جاء في أعقاب الدورة السابقة للجنة العليا للحوار الاجتماعي، وتمحور حول مناقشة الوضعية الراهنة لصناديق التقاعد، وتحديد آليات العمل والمقاربة التي ستُعتمد بشكل توافقي، وسط مشاركة موسعة للنقابات وممثلي الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين.
– بين المطالب النقابية وإكراهات الدولة
طرحت خلال اللقاء تساؤلات حول جدية الإصلاح المرتقب وجدواه، خاصة في ظل استمرار الخلاف حول ما يُعرف بـ”الثلاثي الملعون”: رفع سن التقاعد، وتخفيض قيمة المعاشات، وزيادة الاقتطاعات. في المقابل، تغيب مسألة الرفع من المعاشات عن النقاش الرسمي لصالح التركيز على الأجور، رغم أن هذا الملف أصبح يشغل حيّزًا متزايدًا من مطالب النقابات.
والملاحظ أن الاجتماع الأخير شهد تطورًا في الخطاب النقابي، إذ صدرت بلاغات تؤكد صراحة ضرورة الزيادة في المعاشات، وهو ما لم يكن مألوفًا في الحوارات السابقة التي عادةً ما تُختتم بتحقيق مكاسب لفئة المشتغلين دون التطرق الجدي للمتقاعدين.
– حضور مدني ضاغط وتمثيلية محدودة
تميّزت هذه الجولة بتفاعل مدني لافت، تمثل في وقفات احتجاجية سلمية للمتقاعدين أمام البرلمان، ما أعطى للملف بُعدًا جماهيريًا جديدًا، رغم غياب تمثيلية قانونية واضحة لهؤلاء المحتجين. هذا الحضور الشعبي فرض نفسه على طاولة الحوار، وأجبر عدداً من المسؤولين على الاعتراف بشرعية المطالب، رغم أن التعاطي الرسمي ما زال حذرًا.
في المقابل، تبقى النقابات “الأكثر تمثيلية” حاضرة في المشهد التفاوضي، رغم أن تمثيليتها الفعلية لا تشمل سوى نسبة محدودة من الشغيلة. ومع ذلك، لم يُثنِ ذلك ممثليها عن الدفع باتجاه صون المكتسبات، حتى وإن كانت الأصوات المستقلة تمثل الكتلة الأكبر من العاملين.
– أزمة أدوار وتضارب مواقع
أحد الإشكالات البنيوية التي برزت خلال الحوار، يتمثل في ازدواجية أدوار بعض الوزراء المشاركين، والذين يمثلون في الوقت ذاته السلطة الحكومية والمشغِّلين، ما يطرح تساؤلات حول مدى حياد الحكومة في هذا الملف. ويُثير ذلك المخاوف بشأن فعالية الحوار ومخرجاته، خصوصًا في حال تعارضت المواقف بين وزارات ذات اختصاصات متقاطعة كالشغل والمالية.
أما التمثيل الاقتصادي، المتمثل في أرباب العمل، فلا يزال بدوره محل جدل، إذ أن الهيئة الممثلة لهم تستفيد من نظام تقاعد تكميلي اختياري لا يشمل الغالبية الساحقة من العاملين في القطاع الخاص، ما يعكس فجوة واضحة بين مصلحة الممثِّلين ومطالب الممثَلين.
– دور تقني للصناديق أم شريك فعلي؟
رغم الحضور البارز لمدراء صناديق التقاعد ومؤسسات الرقابة، فإن مشاركتهم اقتصرت على تقديم البيانات والمعطيات التقنية، في حين يُفترض أن يكون لهم دور فاعل في صياغة تصور إصلاحي شامل، خاصة في ما يتعلق بإشكالية الدمج بين الصناديق، وضمان مساهمة المشغلين في الآجال المحددة قانونًا.
وما زالت فرص رفع المعاشات رهينة بعوامل متعددة، أهمها جدية الحكومة في معالجة تراكمات السنوات الماضية، واستيعاب الدينامية الجديدة التي تقودها تنسيقيات مدنية غير تقليدية، استطاعت تحريك المياه الراكدة في ملف ظل لسنوات خارج أولويات الفاعلين الرسميين.
– إصلاح تشريعي… ولكن
إنصاف المتقاعدين، في حال تقررت زيادة المعاشات، يتطلب أكثر من مجرد نوايا طيبة أو تجاوب ظرفي. فالمطلوب هو إصلاح تشريعي حقيقي يتفادى الهفوات السابقة، مثل تلك التي حدثت في قوانين الضرائب خلال 2014 و2022، والتي حالت دون استفادة شريحة واسعة من المتقاعدين من الإعفاءات أو الزيادات الموعودة.
في النهاية، يبقى مستقبل أنظمة التقاعد رهينًا بإرادة سياسية صادقة، وبقدرة مختلف الأطراف على تجاوز منطق الحسابات الظرفية إلى أفق إصلاحي يستحضر كرامة المتقاعد، لا كرقم في موازنات الدولة، بل كمواطن ساهم لعقود في بناء الوطن.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X